فصل: الآيات (18: 21)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الدر المنثور في التفسير بالمأثور **


 الآية 12 - 14

أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند واه، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إن الله خلق شمسين من نور عرشه‏"‏ فأما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمسا، فإنه خلقها مثل الدنيا على قدرها، ما بين مشارقها ومغاربها، وأما ما كان في سابق علمه أنه يطمسها ويجعلها قمرا، فإنه خلقها دون الشمس في العظم، ولكن إنما يرى صغرها لشدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض، فلو ترك الشمس كما كان خلقها أول مرة لم يعرف الليل من النهار، ولا النهار من الليل، ولم يدر الصائم إلى متى يصوم ومتى يفطر، ولم يدر المسلمون متى وقت حجهم، وكيف عدد الأيام والشهور والسنين والحساب، فأرسل جبريل فأمر جناحه عن وجه القمر - وهو يومئذ شمس - ثلاث مرات، فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور، فذلك قوله‏:‏ ‏{‏وجعل الليل والنهار آيتين‏}‏ الآية‏.‏

وأخرج البيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر، عن سعيد المقبري‏:‏ أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السواد الذي في القمر‏؟‏ فقال‏:‏ كانا شمسين‏.‏ فقال‏:‏ قال الله‏:‏ ‏{‏وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل‏}‏ فالسواد الذي رأيت من المحو‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف، عن علي رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏فمحونا آية الليل‏}‏ قال‏:‏ هو السواد الذي في القمر‏.‏

وأخرج ابن مردويه، عن علي رضي الله عنه في الآية‏.‏ قال‏:‏ كان الليل والنهار سواء، فمحا الله آية الليل فجعلها مظلمة، وترك آية النهار كما هي‏.‏

وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏فمحونا آية الليل‏}‏ قال‏:‏ هو السواد بالليل‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏وجعلنا الليل والنهار آيتين‏}‏ قال‏:‏ كان القمر يضيء كما تضيء الشمس، والقمر آية الليل، والشمس آية النهار ‏{‏فمحونا آية الليل‏}‏ قال‏:‏ السواد الذي في القمر‏.‏

وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن المنذر، عن مجاهد رضي الله عنه قال‏:‏ كتب هرقل إلى معاوية يسأله عن ثلاثة أشياء‏:‏ أي مكان إذا صليت فيه ظننت أنك لم تصل إلى قبلة‏؟‏ وأي مكان طلعت فيه الشمس مرة لم تطلع فيه قبل ولا بعد‏؟‏ وعن السواد الذي في القمر‏؟‏ فسأل ابن عباس رضي الله عنهما‏؟‏ فكتب إليه أما المكان الأول‏:‏ فهو ظهر الكعبة‏.‏ وأما الثاني‏:‏ فالبحر حين فرقه الله لموسى عليه السلام‏.‏ وأما السواد الذي في القمر‏:‏ فهو المحو‏.‏

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر، عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال‏:‏ خلق الله نور الشمس سبعين جزءا، أو نور القمر سبعين جزءا، فمحا من نور القمر تسعة وستين جزءا، فجعله مع نور الشمس، فالشمس على مائة وتسعة وثلاثين جزءا، والقمر على جزء واحد‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه في الآية قال‏:‏ كانت شمس بالليل وشمس بالنهار فمحا الله شمس الليل، فهو المحو الذي في القمر‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير في قوله‏:‏ ‏{‏فمحونا آية الليل‏}‏ قال‏:‏ انظر إلى الهلال ليلة ثلاث عشرة، أو أربع عشرة، فإنك ترى فيه كهيئة الرجل، آخذا برأس رجل‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة‏}‏ قال‏:‏ ظلمة الليل وسدف النهار، ‏{‏لتبتغوا فضلا من ربكم‏}‏ قال‏:‏ جعل لكم ‏(‏سبحا طويلا‏)‏ ‏(‏المزمل، آية 7‏)‏‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏فصلناه‏}‏ يقول‏:‏ بيناه‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة، عن عطاء بن السائب رضي الله عنه قال‏:‏ أخبرني غير واحد أن قاضيا من قضاة الشام، أتى عمر رضي الله عنه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين رأيت رؤيا أفظعتني‏.‏ قال‏:‏ وما رأيت‏؟‏ قال‏:‏ رأيت الشمس والقمر يقتتلان، والنجوم معهما نصفين‏.‏ قال‏:‏ فمع أيهما كنت‏؟‏ قال‏:‏ مع القمر على الشمس‏.‏ قال عمر رضي الله عنه‏:‏ ‏{‏وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة‏}‏ فانطلق فوالله لا تعمل لي عملا أبدا‏.‏ قال عطاء رضي الله عنه‏:‏ فبلغني أنه قتل مع معاوية يوم صفين‏.‏

وأخرج ابن عساكر، عن علي بن زيد رضي الله عنه، قال‏:‏ سأل ابن الكواء عليا رضي الله عنه عن السواد الذي في القمر‏؟‏ قال‏:‏ هو قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فمحونا آية الليل‏}‏‏.‏

وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير بسند حسن، عن جابر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏طائر كل إنسان في عنقه‏"‏‏.‏

وأخرج ابن مردويه، عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏إن النطفة التي يخلق منها النسمة تطير في المرأة أربعين يوما وأربعين ليلة، فلا يبقى منها شعر ولا بشر ولا عرق ولا عظم إلا دخله، حتى أنها لتدخل بين الظفر واللحم، فإذا مضى لها أربعون ليلة وأربعون يوما أهبطه الله إلى الرحم، فكان علقة أربعين يوما وأربعين ليلة، ثم يكون مضغة أربعين يوما وأربعين ليلة، فإذا تمت لها أربعة أشهر، بعث الله إليها ملك الأرحام فيخلق على يده لحمها ودمها وشعرها وبشرها، ثم يقول‏:‏ صور‏.‏ فيقول‏:‏ يا رب، ما أصور أزائد أم ناقص، أذكر أم أنثى، أجميل أم ذميم أجعد أم سبط أقصير أم طويل أبيض أم آدم أسوي أم غير سوي‏؟‏ فيكتب من ذلك ما يأمر به‏.‏ ثم يقول الملك‏:‏ يا رب، أشقي أم سعيد‏؟‏ فإن كان سعيدا، نفخ فيه بالسعادة في آخر أجله، وإن كان شقيا‏:‏ نفخ فيه الشقاوة في آخر أجله‏.‏ ثم يقول‏:‏ اكتب أثرها ورزقها ومصيبتها وعملها بالطاعة والمعصية، فيكتب من ذلك ما يأمره الله به، ثم يقول الملك‏:‏ يا رب، ما أصنع بهذا الكتاب‏؟‏ فيقول‏:‏ علقه في عنقه إلى قضائي عليه‏.‏ فذلك قوله‏:‏ ‏{‏وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه‏}‏‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏ألزمناه طائره في عنقه‏}‏ قال‏:‏ سعادته وشقاوته وما قدره الله له وعليه فهو لازمه أينما كان‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق جوبير، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏طائره في عنقه‏}‏ قال‏:‏ قال عبد الله رضي الله عنه الشقاء والسعادة والرزق والأجل‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر، عن أنس رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏طائره في عنقه‏}‏ قال‏:‏ كتابه‏.‏

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه‏}‏ أي عمله‏.‏

وأخرج أبو داود في كتاب القدر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه‏}‏ قال‏:‏ ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏ألزمناه طائره‏}‏ قال‏:‏ عمله ‏{‏ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا‏}‏ قال‏:‏ هو عمله الذي عمل أحصي عليه، فأخرج له يوم القيامة ما كتب عليه من العمل، فقرأه منشورا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي رضي الله عنه في الآية قال‏:‏ الكافر يخرج له يوم القيامة كتاب، فيقول‏:‏ رب، إنك قد قضيت‏.‏ إنك لست بظلام للعبيد، فاجعلني أحاسب نفسي‏.‏ فيقال له‏:‏ ‏{‏اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا‏}‏‏.‏

وأخرج أبو عبيد وابن المنذر، عن هرون قال‏:‏ في قراءة أبي بن كعب رضي الله عنه ‏{‏وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه‏}‏ يقرؤه يوم القيامة ‏{‏كتابا يلقاه منشورا‏}‏‏.‏

وأخرج ابن جرير، عن مجاهد رضي الله عنه أنه قرأ ‏"‏ويخرج له يوم القيامة كتابا‏"‏ بفتح الياء يعني يخرج الطائر كتابا‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏اقرأ كتابك‏}‏ قال‏:‏ سيقرأ يومئذ من لم يكن قارئا في الدنيا‏.‏

وأخرج ابن جرير، عن الحسن رضي الله عنه قال‏:‏ يا ابن آدم بسطت لك صحيفة، ووكل بك ملكان كريمان، أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك، حتى تخرج يوم القيامة‏.‏ فعند ذلك يقول‏:‏ ‏{‏وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه‏}‏ حتى بلغ عليك ‏{‏حسيبا‏}‏‏.‏

وأخرج ابن عبد البر في التمهيد بسند ضعيف، عن عائشة رضي الله عنها قال‏:‏ سالت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏هم مع آبائهم‏"‏ ثم سألته بعد ذلك‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏الله أعلم بما كانوا عاملين‏"‏ ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام‏؟‏‏!‏ فنزلت ‏{‏ولا تز وازرة وزر أخرى‏}‏ فقال‏:‏ ‏"‏هم على الفطرة‏"‏ أو قال‏:‏ في الجنة‏.‏

وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ حدثني الصعب بن جثامة رضي الله عنه قال‏:‏ قلت يا رسول الله، إني قضيت في البنات من ذراري المشركين‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏هم منهم‏"‏‏.‏

وأخرج ابن سعد وقاسم بن أصبغ وابن عبد البر، عن خنساء بنت معاوية الضمرية، عن عمها قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والوئيد‏"‏‏.‏

وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر، عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏هم خدم أهل الجنة‏"‏‏.‏

وأخرج، عن سلمان رضي الله عنه قال‏:‏ أطفال المشركين خدم أهل الجنة‏.‏

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن عبد البر وضعفه، عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المسلمين أين هم‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏في الجنة‏"‏ وسألته عن ولدان المشركين أين هم‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏في النار، قلت‏:‏ يا رسول الله، لم يدركوا الأعمال ولم تجر عليهم القلام‏!‏ قال‏:‏ ‏"‏ربك أعلم بما كانوا عاملين، والذي نفسي بيده لئن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار‏"‏‏.‏

وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ كنت أقول في أطفال المشركين هم مع آبائهم، حتى حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنهم‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏ربهم أعلم بهم وبما كانوا عاملين‏"‏ فأمسكت عن قولي‏.‏

وأخرج قاسم بن أصبغ وابن عبد البر، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل، عن أولاد المشركين‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏الله أعلم بما كانوا عاملين والله أعلم‏"‏‏.‏

 الآية 15 - 17

أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة‏:‏ المعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام، ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار، فيقولون كيف‏؟‏ ولم تأتنا رسل‏!‏ قال‏:‏ وأيم الله، لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما، ثم يرسل إليهم، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه‏.‏ قال أبو هريرة رضي الله عنه‏:‏ اقرأوا إن شئتم ‏{‏وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا‏}‏‏.‏

وأخرج إسحق بن راهويه وأحمد وابن حبان وأبو نعيم في المعرفة والطبراني وابن مردويه والبيهقي في كتاب الإعتقاد، عن الأسود بن سريع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أربعة يحتجون يوم القيامة‏:‏ رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفطرة، فأما الأصم، فيقول‏:‏ رب، لقد جاء الإسلام، وما أسمع شيئا، وأما الأحمق، فيقول‏:‏ رب، جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول‏:‏ رب، لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا، وأما الذي مات في الفطرة فيقول‏:‏ رب، ما آتاني لك رسول‏.‏ فيأخذ مواثيقهم، ويرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار‏.‏ قال‏:‏ فوالذي نفس محمد بيده، لو دخلوها كانت عليهم بردا وسلاما، ومن لم يدخلها سحب إليها‏"‏‏.‏

وأخرج ابن راهويه وأحمد وابن مردويه والبيهقي، أبي هريرة رضي الله عنه مثله، غير أنه قال في آخره‏:‏ فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها سحب إليها‏.‏

وأخرج قاسم بن أصبغ والبزار وأبو يعلى وابن عبد البر في التمهيد، عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏يؤتى يوم القيامة بأربعة‏:‏ بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة والشيخ الهرم الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب تبارك وتعالى‏:‏ لعنق من جهنم أبرزي، ويقول لكم‏:‏ غني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم‏.‏ فيقول لهم‏:‏ ادخلوا هذه، فيقول‏:‏ من كتب عليه الشقاء يا رب‏؟‏ أندخلها ومنها كنا نفر‏؟‏‏!‏ قال‏:‏ وأما من كتب له السعادة فيمضي فيها، فيقول الرب‏:‏ قد عاينتموني فعصيتموني، فأنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار‏.‏

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والطبراني وأبو نعيم، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا، وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيرا، فيقول الممسوخ عقلا‏:‏ يا رب، لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقله مني، ويقول الهالك في الفترة رب لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهدك مني، ويقول الهالك صغيرا‏:‏ يا رب، لو آتيتني عمرا ما كان من أتيته عمرا بأسعد بعمره مني، فيقول الرب تبارك وتعالى‏:‏ فإني آمركم بأمر تطيعوني‏؟‏ فيقولون‏:‏ نعم وعزتك، فيقول لهم‏:‏ اذهبوا فادخلوا جهنم، ولو دخلوها ما ضرتهم شيئا، فخرج عليهم قوابص من نار يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعا ويقولون‏:‏ يا ربنا، خرجنا وعزتك نريد دخولها، فخرجت علينا قوابص من نار، ظننا أن قد أهلكت ما خلق الله من شيء، ثم يأمرهم ثانية، فيرجعون كذلك ويقولون‏:‏ كذلك، فيقول الرب‏:‏ خلقتكم على علمي، وإلى علمي تصيرون، ضميهم، فتأخذهم النار‏"‏‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة، عن أبي صالح رضي الله عنه قال‏:‏ يحاسب يوم القيامة الذين أرسل إليهم الرسل، فيدخل الله الجنة من أطاعه، ويدخل النار من عصاه، ويبقى قوم من الولدان والذين هلكوا في الفترة، فيقول‏:‏ وإني آمركم أن تدخلوا هذه النار، فيخرج لهم عنق منها، فمن دخلها كانت نجاته، ومن نكص فلم يدخلها كانت هلكته‏.‏

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، عن عبد الله بن شداد رضي الله عنه‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فسأله عن ذراري المشركين الذين هلكوا صغارا‏؟‏ فوضع رأسه ساعة ثم قال‏:‏ أين السائل‏؟‏ فقال‏:‏ ها أنا يا رسول الله، فقال‏:‏ ‏"‏إن الله تبارك وتعالى إذا قضى بين أهل الجنة والنار لم يبق غيرهم عجوا، فقالوا‏:‏ اللهم ربنا، لم تأتنا رسلك ولم نعلم شيئا، فأرسل إليهم ملكا، والله أعلم بما كانوا عاملين، فقال‏:‏ إني رسول ربكم إليكم، فانطلقوا فاتبعوا حتى أتوا النار، فقال‏:‏ إن الله يأمركم أن تقتحوا فيها، فاقتحمت طائفة منهم، ثم أخرجوا من حيث لا يشعر أصحابهم، فجعلوا في السابقين المقربين، ثم جاءهم الرسول فقال‏:‏إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار، فاقتحمت طائفة أخرى، ثم خرجوا من حيث لا يشعرون، فجعلوا في أصحاب اليمين، ثم جاء الرسول فقال‏:‏ إن الله يأمركم أن تقتحموا في النار، فقالوا‏:‏ ربنا، لا طاقة لنا بعذابك، فأمر بهم، فجمعت نواصيهم وأقدامهم ثم ألقوا في النار والله أعلم‏"‏‏.‏

وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏أمرنا مترفيها‏}‏ قال أمروا بالطاعة فعصوا‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول في قوله‏:‏ ‏{‏وإذا أردنا أن نهلك قرية‏}‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ ‏{‏أمرنا مترفيها‏}‏ بحق، فخالفوه، فحق عليهم بذلك التدمير‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏وإذا أردنا أن نهلك قرية امرنا مترفيها‏}‏ قال‏:‏ سلطنا شرارها فعصوا فيها، فإذا فعلوا ذلك، أهلكناهم بالعذاب‏.‏ وهو قوله‏:‏ ‏{‏وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها‏}‏ ‏(‏الأنعام، آية 123‏)‏‏.‏

وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ أن نافع بن الأزرق قال له‏:‏ أخبرني عن قوله وجل‏:‏ ‏{‏أمر مترفيها‏}‏ قال‏:‏ سلطنا عليهم الجبابرة فساموهم سوء العذاب‏.‏ قال‏:‏ وهل تعرف العرب ذلك‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ أما سمعت لبيد بن ربيعة وهو يقول‏:‏

إن يعطبوا يبرموا وإن أمروا * يوما يصيروا للهلك والفقد

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي العالية رضي الله عنه كان يقرأ ‏{‏أمرنا مترفيها‏}‏ مثقلة‏.‏ يقول‏:‏ أمرنا عليهم أمراء‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قرأ ‏"‏آمرنا مترفيها‏"‏ يعني بالمد‏.‏ قال‏:‏ أكثرنا فساقها‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر، عن عكرمة رضي الله عنه أنه قرأ ‏{‏أمرنا مترفيها‏}‏ قال‏:‏ أكثرناهم‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي الدرداء رضي الله عنه ‏{‏أمرنا مترفيها‏}‏ قال‏:‏ أكثرنا‏.‏

وأخرج البخاري وابن مردويه، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ كنا نقول للحي إذا كثروا في الجاهلية قد أمروا بني فلان‏.‏

 الآية 18 - 21

أخرج ابن أبي حاتم، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏من كان يريد العاجلة‏}‏ قال‏:‏ من كان يريد بعمله الدنيا، ‏{‏عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد‏}‏ ذاك به‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏من كان يريد العاجلة‏}‏ قال‏:‏ من كانت همه ورغبته وطلبته ونيته عجل الله له فيها ما يشاء، ثم اضطره إلى جهنم ‏{‏يصلاها مذموما‏}‏ في نقمة الله ‏{‏مدحورا‏}‏ في عذاب الله‏.‏ وفي قوله‏:‏ ‏{‏ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك سعيهم مشكورا‏}‏ قال‏:‏ شكر الله له اليسير، وتجاوز عنه الكثير‏.‏ وفي قوله‏:‏ ‏{‏كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك‏}‏ أي‏:‏ أن الله قسم الدنيا بين البر والفاجر، والآخرة‏:‏ خصوصا عند ربك للمتقين‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية، عن الحسن رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏كلا نمد‏}‏ الآية‏.‏ قال‏:‏ كلا نرزق في الدنيا البر والفاجر‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم، عن السدي رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏كلا نمد هؤلاء وهؤلاء‏}‏ يقول‏:‏ نمد الكفار والمؤمنين ‏{‏من عطاء ربك‏}‏ يقول‏:‏ من الرزق‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله‏:‏ ‏{‏كلا نمد‏}‏ الآية قال‏:‏ نرزق من أراد الدنيا، ونرزق من أراد الآخرة‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏كلا نمد هؤلاء وهؤلاء‏}‏ قال‏:‏ هؤلاء أصحاب الدنيا، وهؤلاء أصحاب الآخرة‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏كلا نمد هؤلاء وهؤلاء‏}‏ هؤلاء أهل الدنيا، وهؤلاء أهل الآخرة ‏{‏وما كان عطاء ربك محظورا‏}‏ قال ممنوعا‏.‏

واخرج ابن أبي حاتم، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏محظورا‏}‏ قال ممنوعا‏.‏

وأخرج ابن جرير وأبن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض‏}‏ أي في الدنيا‏:‏ ‏{‏وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا‏}‏ وإن للمؤمنين في الجنة منازل وإن لهم فضائل بأعمالهم‏.‏ وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏بين أعلى أهل الجنة وأسفلهم درجة كالنجم يرى في مشارق الأرض ومغاربها‏"‏‏.‏

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم، عن الضحاك رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا‏}‏ قال‏:‏ إن أهل الجنة بعضهم فوق بعض درجات، الأعلى يرى فضله على من هو أسفل منه، والأسفل لا يرى أن فوقه أحدا‏.‏

وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، عن سلمان رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏"‏ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة فارتفع، إلا وضعه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول‏"‏ ثم قرأ ‏{‏وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا‏}‏‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وهناد وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ لا يصيب عبد من الدنيا شيئا، إلا نقص من درجاته عند الله، وإن كان على الله كريما‏.‏

 الآية 22

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏{‏مذموما‏}‏ يقول ملوما‏.‏

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله‏:‏ ‏{‏فتقعد مذموما‏}‏ يقول‏:‏ في نقمة الله ‏{‏مخذولا‏}‏ في عذاب الله‏.‏